بسمِ اللهِ الرَّحمَن
الرَّحيم...
مُناسَبَةُ الفصلِ بـ: {الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ} بين {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} و {مَالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ}؟
• جاءَ في "ملاك التَّأويل
القاطع بذوي الإلحاد والتَّعطيل في توجيه المتشابهِ اللَّفظِ من آي التنزيل":
"الآية الثَّالثة من
أمِّ القرآن؛ قوله تعالى : {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[أمّ القرآن: 3]، فيها سؤالٌ
واحدٌ؛ وهو أن يقولَ القائلُ:
ما وجه الفصْلِ بهاتين الصِّفَتين
العليَّتَين من قوله : {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} بين الصِّفَتين المقتَضِيَتَيْن (مُلكَ الدَّارين)
بما فيها، وهما:
{رَبِّ الْعَالَمِينَ } {مَالِكِ
يَوْمِ الدِّينِ [أمّ القرآن: 3-4] ؟
من حيثُ إِنَّ الحمدَ للهِ
(ربِّ العالمين)؛ يتضمن أن لا ربَّ سواهُ؛ فهو مَلِكُ الكلِّ!
فقد كان المطابقُ لهذا
إيصالُ (مُلْكِ يومِ الدِّين} به حتى يقعَ وصفُهُ بمَلِكِ الدَّارين جميعًا،
وبالانفرادِ فيهما بالخلقِ والأمرِ والحكم كما هو، وكما ورد فى قوله تعالى : {لَهُ
الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ} [القصص : 70]
فالجارى مع هذا أنْ لو قيلَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ} {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، والفصل بـ {الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ} مما يكسر هذا الغرضَ؛ فما
وجه ذلك؟
والجوابُ عن ذلك:
أنه تعالى خصَّصَ هذه الأمَّةَ
بخصائصِ الاعتناءِ والتَّكريمِ!
قال تعالى : {كُنتُمْ خَيْرَ
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران : 110]
وجعل نبَّينا صلَّى اللهُ
عليه وسلَّم سيِّدَ ولدِ آدمَ، والمصطفى من كافَّةِ الخلقِ
والتَّابعُ يشرفُ بشرفِ
المتبوعِ!
وقد خاطبَه تعالى بخطابِ
الرَّحمةِ والتَّلطُّف والاعتناءِ، فقال تعالى:
{عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ
أَذِنتَ لَهُمْ}[التوبة : 43]
فقدَّمَ (العفوَ) بين يدي
ما صورتُهُ العتبُ؛ لئلا ينصَدِع قلبُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! فكذلك تلطَّف
لعبادِهِ من أمَّةِ هذا النَّبيِّ الكريمِ، وأمَّنَهم من خوفِهمْ وإشفاقِهم من عرض
أعمالِهم وحسابِهم فقال:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ}{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[أمّ القرآن:
2-4]
لـمَّا كان تعالى قد وصفَ
هذا اليومَ بأنه يومٌ {تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42]، {وَتَضَعُ
كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى} [الحج
: 2]؛ قدَّم هنا تعريفَهُم بأنه {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وأنه( مَلِكُ) ذلك
اليومِ! فأنَّسَ هذه الأمّةَ؛ كما أنَّس نبيَّهمْ، وذلك أبينُ شئٍ"! اهـ
والله تعالى أعلم.
(صفحة: 19-20) طبعة دار الكتب العلميّة، بيروت.
- - -
الجمعة 19 شوّال 1435هـ