بسمِ اللهِ الرَّحمَن
الرَّحيم...
قولُهُ تعالى: {إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)}
- مناسبةُ تكرار {إِيَّاكَ}؟
- مناسبةُ تقديمِ {إِيَّاكَ}
على الفعلِ؟
- مناسبةُ تقديمِ {
نَعْبُدُ} على {نَسْتَعِينُ}؟
هذهِ الأسئلةُ الثّلاثةُ
إجاباتُها متعلِّقٌ بعضُها ببعضٍ؛ لذا؛ أدرجتُها في مشاركةٍ واحدةٍ...والله الموفّق.
• "كشف المعاني في
المتشابه المثاني":
"7 - مسألة:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؟
"كُرِّرَت {إِيَّاكَ}
المفيدةُ للحصْرِ إذا تقدَّمَتْ: للتَّصْريحِ بتوكيدِ حصْرِ الإخلاصِ في (العبادةِ
له)، وحصْرِ (الاستعانةِ) -أيضًا- بهِ تعالى!" اهـ
(ص: 91)، ط1 (1420هـ)، دار الشّربف للنّشر
والتّوزيع.
• "جامع البيان في
تأويل القرآن ":
"فَإِنْ قَالَ:
فَمَا وَجْهُ تَكْرَارِهِ:
{إِيَّاكَ} مَعَ قَوْلِهِ: {نَسْتَعِينُ}؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ قَبْلَ (نَعْبُدُ)؟
وَهَلَّا قِيلَ: (إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَنَسْتَعِينُ)، إِذْ كَانَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ أَنَّهُ الْمَعْبُودُ
هُوَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ أَنَّهُ الْمُسْتَعَانُ؟
قِيلَ لَهُ:
إِنَّ (الْكَافَ) الَّتِي
مَعَ (إِيَّا)؛ هِيَ الْكَافُ الَّتِي كَانَتْ تَتَّصِلُ بِالْفِعْلِ؛ أَعْنِي
بِقَوْلِهِ: {نَعْبُدُ} لَوْ كَانَتْ
مُؤَخَّرَةً بَعْدَ الْفِعْلِ.
وَهِيَ كِنَايَةُ اسْمِ
الْمُخَاطَبِ الْمَنْصُوبِ بِالْفِعْلِ، فَكَثُرَتْ بِـ (إِيَّا) مُتَقَدِّمَةٌ،
إِذْ كَانَ (الْأَسْمَاءُ) إِذَا انْفَرَدَتْ بَأَنْفُسِهَا لَا تَكُونُ فِي
كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا كَانَتِ (الْكَافُ) مِنْ (إِيَّاكَ)
هِيَ كِنَايَةُ اسْمِ الْمُخَاطَبِ الَّتِي كَانَتْ تَكُونُ كَافًا وَحْدَهَا
مُتَّصِلَةً بِالْفِعْلِ إِذَا كَانَتْ بَعْدَ الْفِعْلِ، ثُمَّ كَانَ حَظُّهَا
أَنْ (تُعَادَ) مَعَ كُلِّ (فِعْلٍ)؛ اتَّصَلَتْ بِهِ!
فَيُقَالُ: اللَّهُمَّ
إِنَّا نَعْبُدُكَ وَنَسْتَعِينُكَ وَنَحْمَدُكَ وَنَشْكُرُكَ.
وَكَانَ ذَلِكَ أَفْصَحَ
فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَنْ يُقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّا نَعْبُدُكَ
وَنَسْتَعِينُ وَنَحْمَدُ"؛ كَانَ كَذَلِكَ إِذَا قُدِّمَتْ كِنَايَةُ اسْمِ
الْمُخَاطَبِ قَبْلَ الْفِعْلِ مَوْصُولَةً بِـ (إِيَّا)؛ كَانَ الْأَفْصَحُ (إِعَادَتَهَا)
مَعَ (كُلِّ فِعْلٍ). كَمَا كَانَ الْفَصِيحُ مِنَ الْكَلَامِ إِعَادَتَهَا مَعَ
كُلِّ فِعْلٍ، إِذَا كَانَتْ بَعْدَ الْفِعْلِ مُتَّصِلَةً بِهِ، وَإِنْ كَانَ
تَرْكُ إِعَادَتِهَا جَائِزًا.
وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ مَنْ
لَمْ يُمْعِنِ النَّظَرَ أَنَّ إِعَادَةَ {إِيَّاكَ} مَعَ {نَسْتَعِينُ} بَعْدَ
تَقَدُّمِهَا فِي قَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}؛ بِمَعْنَى قَوْلِ عَدِيِّ بْنِ
زَيْدٍ الْعِبَادِيِّ:
وَجَاعِلُ الشَّمْسِ مِصْرًا
لَا خِفَاءَ بِهِ ... بَيْنَ النَّهَارِ وَبَيْنَ اللَّيْلِ قَدْ فَصَلَا
وَكَقَوْلِ أَعْشَى
هَمْدَانَ:
بَيْنَ الْأَشَجِّ
وَبَيْنَ قَيْسٍ بَاذِخٌ ... بَخْ بَخْ لِوَالِدِهِ وَلِلْمَوْلُودِ
وَذَلِكَ جَهْلٌ مِنْ
قَائِلِهِ! مِنْ أَجْلِ أَنَّ حَظَّ (إِيَّاكَ) أَنْ تَكُونَ (مُكَرَّرَةً) مَعَ
كُلِّ (فِعْلٍ)؛ لِمَا وَصَفْنَا آنِفًا مِنَ الْعِلَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ حُكْمَ (بَيْنَ)؛
لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِذَا اقْتَضَتِ اثْنَيْنِ إِلَّا تَكْرِيرًا إِذَا
أُعِيدَتْ، إِذْ كَانَتْ لَا تَنْفَرِدُ بِالْوَاحِدِ. وَأَنَّهَا لَوْ أُفْرِدَتْ
بِأَحَدِ الِاسْمَيْنِ فِي حَالِ اقْتِضَائِهَا اثْنَيْنِ كَانَ الْكَلَامُ
كَالْمُسْتَحِيلِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ: الشَّمْسُ قَدْ فَصَلَتْ
بَيْنَ النَّهَارِ، لَكَانَ مِنَ الْكَلَامِ خَلْفًا لِنُقْصَانِ الْكَلَامِ
عَمَّا بِهِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ تَمَامِهِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ بَيْنَ.
وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: "اللَّهُمَّ
إِيَّاكَ نَعْبُدُ"؛ لَكَانَ ذَلِكَ كَلَامًا تَامًّا.
فَكَانَ مَعْلُومًا
بِذَلِكَ أَنَّ حَاجَةَ كُلِّ كَلِمَةٍ -كَانَتْ
نَظِيرَةَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}- إِلَى {إِيَّاكَ} كَحَاجَةِ {نَعْبُدُ} إِلَيْهَا،
وَأَنَّ (الصَّوَابَ) أَنْ( تُكَرَّرَ) مَعَهَا {إِيَّاكَ}؛ إِذْ كَانَتْ كُلُّ
كَلِمَةٍ مِنْهَا جُمْلَةَ خَبَرِ مُبْتَدَأٍ، وَبَيَّنَا حُكْمَ مُخَالَفَةِ
ذَلِكَ حُكْمَ (بَيْنَ) فِيمَا وَفَّقَ بَيْنَهُمَا الَّذِي وَصَفْنَا قَوْلَهُ"
اهـ
(1/164-165)، ط1 (1420هـ)،
ت: أحمد شاكر، مؤسّسة الرسالة.
• "أسرار التّكرار":
" قَوْله تَعَالَى
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} كَرَّرَ { إِيَّاكَ} وَقَّدمَهُ، وَلم
يقْتَصر ْعلى ذكرِه مرّةً كَمَا اقْتصَر على ذكرِ أحدِ المفعولَين فِي آيَات
كَثِيرَة مِنْهَا {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}[الضّحى: 3]: أَيْ: مَا قَلاكَ،
وَكَذَلِكَ الْآيَاتُ الَّتِي بعْدهَا مَعْنَاهَا: (فآواكَ، فهداكَ، فأغناكَ)؛
لِأَنَّ فِي التَّقْدِيمِ فَائِدَةٌ وَهِيَ قطعُ الِاشْتِرَاكِ، وَلَو حذَفَ لم
يدلّ على التَّقْدِيم؛ لِأَنَّك لَو قلتَ (إياكَ نعْبدُ ونستعينُ) لم يظْهرْ أَنَّ
التَّقْدِيرَ: (إيَّاك نعْبدُ وَإِيَّاكَ نستعينُ)، أم (إيَّاك نعْبدُ ونستعينكَ)؛
فكرَّرَهُ!" اهـ
(صفحة: 65-66)، طبعة دار الفضيلة.
• "تفسير الرّاغب
الأصفهانيّ":
"إنْ قيلَ: لمَ كرَّرَ
{إيَّاكَ}؟
قيلَ لأنَّهُ لو قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَنَسْتَعِينُ)؛ لكانَ يصحُّ أن يُعْتَقَد أنَّ الاستعانةَ بغيرِهِ، وكانَ إعادتُهُ
أبلغَ!"اهـ
(ص:
59)، ط1 (1420هـ) تحقيق: محمد بسيوني، جامعةطنطا
• "مجموع مؤلَّفات
الشّيخ: محمّد بن عبد الوهّاب" -رحمهُ اللهُ-:
"...وقدَّمَ المفعولَ
وهوَ: {إيَّاكَ}, كرَّرَ للاهتمامِ والحصْرِ!
أيْ: لا نعبُدُ إلَّا إيَّاكَ,
ولا نتوكَّلُ إلَّا عليكَ, وهذَا هو (كمالُ الطَّاعةِ)!
والدِّينُ كلُّهُ يرجِعُ
إلى هذَينِ المعنَيَيْنِ:
فالأوَّلُ: التَّبرُّؤُ من الشِّركِ!
والثَّاني: التَّبرُّؤُ منَ
الحوْلِ والقوَّةِ!" اهـ
"كتاب فضائل القرآن"، (ج2/ 34)،
ط1 (1421هـ)، دار القاسم.
• "تفسير القرآن
العظيم":
"..وَقُدِّمَ
الْمَفْعُولُ وَهُوَ {إِيَّاكَ} ، وَكُرِّرَ؛ لِلِاهْتِمَامِ وَالْحَصْرِ، أَيْ:
لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاكَ، وَلَا نَتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْكَ، وَهَذَا هُوَ
كَمَالُ الطَّاعَةِ. وَالدِّينُ يَرْجِعُ كُلُّهُ (3) إِلَى هَذَيْنِ
الْمَعْنَيَيْنِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْفَاتِحَةُ سِرُّ
الْقُرْآنِ، وَسِرُّهَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ} [الْفَاتِحَةِ: 5] فَالْأَوَّلُ تَبَرُّؤٌ مِنَ الشِّرْكِ،
وَالثَّانِي تَبَرُّؤٌ مِنَ الْحَوْلِ والقُوَّةِ، والتَّفْويضِ إلى اللهِ -عزَّ
وجلَّ-!" اهـ
(ج:1/ ص 25)، ط دار المكتبة الشّعبيّة.
• من: تفسير سورة
الفاتحة" للعلَّامةِ: عبيد الجابريّ -حفظهُ اللهُ-:
"..{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}؛
أي لا نعبدُ غيركَ!
و{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛
أي لا نستعينُ بغيركَ!
لكنْ! هنا السُّؤالُ بلاغيٌّ:
أليسَ في الآيةِ اختصاصُ العبادةِ باللهِ؟
نعم، أنا موافقٌ لكمْ على هذا؛ في الآيةِ اختصاصُ العبادةِ باللهِ، ووجوبِ إخْلاصِهَا لَهُ -سبحانَهُ
وتعالى-.
لكنْ! ما الذي يفيدُه من
النَّاحيةِ البلاغيّةِ؟
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}؛ تقديمُ
المعمولِ على العاملِ.
{إِيَّاكَ}: هذا ضميرٌ
معمولٌ.
{نَعْبُدُ}: هو العاملُ
فيهِ، فهمتُمْ؟
هذا الكلامُ: (تقديمُ
العاملِ على المعمولِ) يفيدُ (الاخْتِصَاصَ)!
فإذًا: (العبادةُ) للهِ -عزَّ
وجلَّ- لا لغيرِهِ، وكذلكَ (الاستعانةُ) .." اهـ
[من المكتبة المقروءة].
• "إعراب القرآن
الكريم وبيانه":
"في قولِهِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ} فنُّ التّقديمِ! فقد قُدِّمَ الضَّميرُ لحصْرِ العبادةِ والاستعانةِ
باللهِ وحدَهُ! وقُدِّمتِ (العبادةُ) على (الاستعانةِ)؛ لأنَّ (الاستعانةَ) ثمرتُها!
وإعادَةُ {إِيَّاكَ} مع
الفعلِ الثّاني؛ تفيدُ أنَّ كُلًّا منَ (العبَادةِ) و(الاستِعانَةِ) مقصُودٌ بالذَّاتِ!
فلا يَستلْزِمٌ كلٌّ منهُمَا الآخرُ؛ ولأنَّ (الكافَ) التي مع (إيّا) هي (الكافُ
التي كانتْ تتَّصلُ بالفعلِ؛ أعني بقولِهِ {نَعْبُدُ} لو كانتْ مؤخَّرَةً بعدَ
الفعلِ وهي كنايةٌ عنِ اسمِ المخاطبِ المنصوبِ بالفعلِ؛ فكُثِّرتْ بـ(إيَّا) متقدِّمةً،
وكانَ الأفصحُ إعادتَها معَ كلِّ فعلٍ" اهـ
(1/16)، ط3 (1412هـ)، دار ابن كثير، دمشق.
• "تفسير جامع البيان":
"فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ:
وَكَيْفَ قِيلَ: {إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ فَقَدَّمَ الْخَبَرَ عَنِ الْعِبَادَةِ،
وَأُخِّرَتْ مَسْأَلَةُ الْمَعُونَةِ عَلَيْهَا بَعْدَهَا؟ وَإِنَّمَا تَكُونُ
الْعِبَادَةُ بِالْمَعُونَةِ، فَمَسْأَلَةُ الْمَعُونَةِ كَانَتْ أَحَقَّ
بِالتَّقْدِيمِ قَبْلَ الْمُعَانِ عَلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ وَالْعِبَادَةِ بِهَا؟
قِيلَ: لَمَّا كَانَ
مَعْلُومًا أَنَّ الْعِبَادَةَ لَا سَبِيلَ لِلْعَبْدِ إِلَيْهَا إِلَّا
بِمَعُونَةٍ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَكَانَ مُحَالًا أَنْ يَكُونَ
الْعَبْدُ عَابِدًا إِلَّا وَهُوَ عَلَى الْعِبَادَةِ مُعَانٌ، وَأَنْ يَكُونَ
مُعَانًا عَلَيْهَا إِلَّا وَهُوَ لَهَا فَاعِلٌ؛ كَانَ سَوَاءً تَقْدِيمُ مَا
قُدِّمَ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، كَمَا سَوَاءٌ قَوْلُكَ لِلرَّجُلِ إِذَا
قَضَى حَاجَتَكَ فَأَحْسَنَ إِلَيْكَ فِي قَضَائِهَا: قَضَيْتَ حَاجَتِي
فَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ، فَقَدَّمْتَ ذِكْرَ قَضَائِهِ حَاجَتَكَ. أَوْ قُلْتَ:
أَحْسَنْتَ إِلَيَّ فَقَضَيْتَ حَاجَتِي، فَقَدَّمْتَ ذِكْرَ الْإِحْسَانِ عَلَى
ذِكْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَاضِيًا حَاجَتَكَ إِلَّا
وَهُوَ إِلَيْكَ مُحْسِنٌ، وَلَا مُحْسِنًا إِلَيْكَ إِلَّا وَهُوَ لِحَاجَتِكَ
قَاضٍ. فَكَذَلِكَ سَوَاءٌ قَوْلُ الْقَائِلِ: اللَّهُمَّ إِنَّا إِيَّاكَ
نَعْبُدُ فَأَعِنَّا عَلَى عِبَادَتِكَ، وَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى
عِبَادَتِكَ فَإِنَّا إِيَّاكَ نَعْبُدُ.
• "تفسير القرآن
العظيم":
"وَإِنَّمَا قَدَّمَ:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} عَلَى {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لِأَنَّ (الْعِبَادَةَ لَهُ)
هِيَ الْمَقْصُودَةُ، (وَالِاسْتِعَانَةُ) وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَالِاهْتِمَامُ
وَالْحَزْمُ هُوَ أَنْ يُقَدَّمَ مَا هُوَ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ" اهـ
(ج 1/ ص: 26)، ط دار المكتبة الشّعبيّة.
• "تفسير تيسير
الكريم الرحمن" :
"وقدَّمَ (العبادةَ)
على (الاستعانةِ)؛ من بابِ تقْديمِ (العامِّ) على (الخاصِّ)، واهتمامًا بتقْديمِ
حقِّهِ تَعَالى على حقِّ عبْدِهِ!" اهـ
(ص: 39)، ط4 (1426هـ)، ت: عبد الرّحمن
اللّويحق، مؤسّسة الرّسالة.
• "لقاء الباب
المفتوح" للعلَّامة العثيمين -رحمهُ اللهُ-:
"قالَ اللهُ -عزَّ
وجلَّ-: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ الجُمْلَتَان فيهما حَصْرٌ!
فمعنى: (إِيَّاكَ
نَعْبُدُ)؛ أي: لا نعبدُ إلَّا إيَّاكَ!
و(وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)؛
أي: لا نَسْتَعينُ إلَّا إيَّاكَ!
وطريقُ (الحصْرِ) أنَّهُ قُدِّمَ
المعمولُ، وحقُّهُ التَّأخيرُ!
وكلَّمَا قُدِّمَ ما حقُّهُ
التَّأخيرُ؛ فإنَّهُ يفيدُ الحصْرُ.
هذا في اللُّغةِ العربيَّةِ؛
كما نصَّ على ذلكَ أهلُ البلاغةِ، وأهلُ النَّحوِ!" اهـ
[عبر المكتبة المقروءة].
• أما ابنُ القيّمِ-رحمهُ
اللهُ تعالى-؛ فقد استفاضَ في بيانِ مناسبةِ تقديمِ (نَعبُدُ) على (نستعينُ)؛ حيثُ
قالَ:
"وَتَقْدِيمُ
(العِبَادَةِ) عَلَى (الِاسْتِعَانَةِ) فِي {الفَاتِحَةِ} مِنْ بَابِ:
= تَقْدِيمِ الغَايَاتِ
عَلَى الوَسَائِلِ!
إِذِ (العِبَادَةُ)
غَايَةُ العِبَادِ الَّتِي خُلِقُوا لَهَا،
وَ(الِاسْتِعَانَةُ)
وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا،
= وَلِأَنَّ {إِيَّاكَ
نَعْبُدُ} مُتَعَلِّقٌ بِأُلُوهِيَّتِهِ وَاسْمِهِ (الله)!
{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
مُتَعَلِّقٌ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَاسْمِهِ (الرَّبّ)!
فَقَدَّمَ {إِيَّاكَ
نَعْبُدُ} عَلَى {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، كَمَا قَدَّمَ اسْمَ (اللهِ) عَلَى
(الرَّبِّ) فِي أَوَّلِ السُّورَةِ!
= وَلِأَنَّ {إِيَّاكَ
نَعْبُدُ} قَسْمُ (الرَّبِّ)؛ فَكَانَ مِنَ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ، الَّذِي هُوَ
ثَنَاءٌ عَلَى اللهِ تَعَالَى؛ لِكَونِهِ أَولَى بِهِ!
= وَ{إِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ} قَسْمُ الْعَبْدِ؛ فَكَانَ مِنَ الشَّطْرِ الَّذِي لَهُ،
وَهُوَ:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
= وَلِأَنَّ
(العِبَادَةَ) الـمُطْلَقَةَ تَتَضَمَّنُ (الِاسْتِعَانَةَ) مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، فَكُلُّ
عَابِدٍ للهِ عُبُودِيَّةً تَامَّةً مُسْتَعِينٌ بِهِ وَلَا يَنْعَكِسُ؛ لِأَنَّ
صَاحِبَ الْأَغْرَاضِ وَالشَّهَوَاتِ قَدْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى شَهَوَاتِهِ،
فَكَانَتِ العِبَادَةُ أَكْمَلَ وَأَتَمَّ، وَلِهَذَا كَانَتْ قَسْمَ (الرَّبِّ)!
= وَلِأَنَّ (الِاسْتِعَانَةَ)
جُزْءٌ مِنِ (العِبَادَةِ) مِنْ غَيْرٍ عَكْسٍ.
= وَلِأَنَّ
(الِاسْتِعَانَةَ) طَلَبٌ مِنْهُ، وَ(العِبَادَةَ) طَلَبٌ لَهُ.
= وَلِأَنَّ
(العِبَادَةَ) لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ مُخْلِصٍ،
وَ(الِاسْتِعَانَةُ) تَكُونُ مِنْ مُخْلِصٍ
وَمِنْ غَيرِ مُخْلِصٍ.
= وَلِأَنَّ (الْعِبَادَةَ) حَقُّهُ الَّذِي
أَوْجَبَهُ عَلَيْكَ
= وَ(الِاسْتِعَانَةُ) طَلَبُ الْعَوْنِ عَلَى
(العِبَادَةِ)، وَهُوَ بَيَانُ صَدَقَتِهِ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْكَ،
وَأَدَاءُ حَقِّهِ أَهَمُّ مِنَ التَّعَرُّضِ لِصَدَقَتِهِ.
= وَلِأَنَّ
(العِبَادَةَ) شُكْرُ نِعْمَتِهِ عَلَيْكَ، وَاللهُ يُحِبُّ أَنْ يُشْكَرَ،
وَ(الْإِعَانَةُ) فِعْلُهُ بِكَ وَتَوْفِيقُهُ
لَكَ.
فَإِذَا التَزَمْتَ
عُبُودِيَّتَهُ، وَدَخَلْتَ تَحْتَ رِقِّهَا؛ أَعَانَكَ عَلَيْهَا، فَكَانَ
التِزَامُهَا وَالدُّخُولُ تَحْتَ رِقِّهَا سَبَبًا لِنَيْلِ الْإِعَانَةِ،
وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَتَمَّ عُبُودِيَّةً ؛كَانَتِ الْإِعَانَةُ مِنَ
اللهِ لَهُ أَعْظَمَ!
وَالعُبُودِيَّةُ
مَحْفُوفَةٌ بِإِعَانَتَيْنِ:
1) إِعَانَةٍ قَبْلَهَا
عَلَى التِزَامِهَا وَالقِيَامِ بِهَا،
2) وَإِعَانَةٍ بَعْدَهَا
عَلَى عُبُودِيَّةٍ أُخْرَى،
وَهَكَذَا أَبَدًا، حَتَّى
يَقْضِيَ الْعَبْدُ نَحْبَهُ!
= وَلِأَنَّ (إِيَّاكَ
نَعْبُدُ) لَهُ، وَ(إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) بِهِ،
وَ(مَا لَهُ) مُقَدَّمٌ
عَلَى (مَا بِهِ)، لِأَنَّ:
(مَا لَهُ) مُتَعَلِّقٌ
بِمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ،
وَ(مَا بِهِ) مُتَعَلِّقٌ
بِمَشِيئَتِهِ،
وَمَا تَعَلَّقَ
(بِمَحَبَّتِهِ) أَكْمَلُ مِمَّا تَعَلَّقَ بِمُجَرَّدِ (مَشِيئَتِهِ)،
فَإِنَّ الكَوْنَ كُلَّهُ
مُتَعَلِّقٌ (بِمَشِيئَتِهِ)، وَالمَلَائِكَةُ وَالشَّيَاطِينُ وَالـمؤْمِنُونَ
وَالكُفَّارُ، وَالطَّاعَاتُ وَالمَعَاصِي،
وَالـمُتَعَلِّقُ
(بِمَحَبَّتِهِ): طَاعَتُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ،
فَالكُفَّارُ أَهْلُ
(مَشِيئَتِهِ)،
وَالـمُؤْمِنُونَ أَهْلُ
(مَحَبَّتِهِ)،
وَلِهَذَا لَا يَسْتَقِرُّ
فِي النَّارِ شَيْءٌ للهِ أَبَدًا!
وَكُلُّ مَا فِيهَا
فَإِنَّهُ بِهِ تَعَالَى وَبِمَشِيئَتِهِ.
فَهَذِهِ الْأَسْرَارُ
يَتَبَيَّنُ بِهَا: حِكْمَةُ تَقْدِيمِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} عَلَى {إِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ}.".
انتهى كلامُهُ -رحمهُ
اللهُ تعالى-.
من "مدارج السّالكينَ
بين منازلِ: إيّاكَ نعبدُ وإيّاكَ نستعينُ"، (1/97-98)، ط3 (1416هـ)، -ت : محمد
المعتصم بالله البغدادي ، دار الكتاب العربي، بيروت.
• وقالَ -رحمهُ اللهُ-:
"وَأَمَّا تَقْدِيمُ (الْمَعْبُودِ
وَالْمُسْتَعَانِ) عَلَى الْفِعْلَيْنِ، فَفِيهِ:
- أَدَبُهُمْ مَعَ اللَّهِ
بِتَقْدِيمِ اسْمِهِ عَلَى فِعْلِهِمْ!
- وَفِيهِ: الِاهْتِمَامُ
وَشِدَّةُ الْعِنَايَةِ بِهِ!
- وَفِيهِ: الْإِيذَانُ
بِالِاخْتِصَاصِ؛ الْمُسَمَّى بِالْحَصْرِ!
فَهُوَ فِي قُوَّةٍ: لَا
نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاكَ، وَلَا نَسْتَعِينُ إِلَّا بِكَ!
وَالْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ
ذَوْقُ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفِقْهُ فِيهَا، وَاسْتِقْرَاءُ مَوَارِدِ اسْتِعْمَالِ
ذَلِكَ مُقَدَّمًا!
وَسِيبَوَيْهِ نَصَّ عَلَى
الِاهْتِمَامِ، وَلَمْ يَنْفِ غَيْرَهُ.
وَلِأَنَّهُ يَقْبُحُ مِنَ
الْقَائِلِ أَنْ يُعْتِقَ عَشَرَةَ أَعْبُدٍ مَثَلًا، ثُمَّ يَقُولُ لِأَحَدِهِمْ:
إِيَّاكَ أَعْتَقْتُ، وَمَنْ سَمِعَهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالَ:
وَغَيْرَهُ أَيْضًا أَعْتَقْتَ، وَلَوْلَا فَهْمُ الِاخْتِصَاصِ لَمَا قُبِّحَ
هَذَا الْكَلَامُ، وَلَا حَسُنَ إِنْكَارُهُ.
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ
تَعَالَى {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40]
{وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}
[البقرة: 41]
كَيْفَ تَجِدُهُ فِي
قُوَّةِ: لَا تَرْهَبُوا غَيْرِي، وَلَا تَتَّقُوا سِوَايَ!
وَكَذَلِكَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ هُوَ فِي قُوَّةِ: لَا نَعْبُدُ غَيْرَكَ، وَلَا
نَسْتَعِينُ بِسِوَاكَ!
وَكُلُّ ذِي ذَوْقٍ
سَلِيمٍ يَفْهَمُ هَذَا الِاخْتِصَاصَ مِنْ عِلَّةِ السِّيَاقِ!
وَلَا عِبْرَةَ بِجَدَلِ
مَنْ قَلَّ فَهْمُهُ، وَفُتِحَ عَلَيْهِ بَابُ الشَّكِّ وَالتَّشْكِيكِ!
فَهَؤُلَاءِ هُمْ آفَةُ الْعُلُومِ،
وَبَلِيَّةُ الْأَذْهَانِ وَالْفُهُومِ!
مَعَ أَنَّ فِي ضَمِيرِ (إِيَّاكَ)
مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى نَفْسِ (الذَّاتِ وَالْحَقِيقَةِ) مَا لَيْسَ فِي
الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ:
فَفِي: (إِيَّاكَ قَصَدْتُ
وَأَحْبَبْتُ) مِنَ الدِّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى: (حَقِيقَتِكَ وَذَاتِكَ قَصْدِي)،
مَا لَيْسَ فِي قَوْلِكَ: (قَصَدْتُكَ وَأَحْبَبْتُكَ)!
وَ(إِيَّاكَ أَعْنِي)؛
فِيهِ مَعْنَى: نَفْسَكَ وَذَاتَكَ وَحَقِيقَتَكَ أَعْنِي!
وَمِنْ هَٰهُنَا قَالَ
مَنْ قَالَ مِنَ النُّحَاةِ: إِنَّ (إِيَّا) اسْمٌ ظَاهِرٌ مُضَافٌ إِلَى
الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ، وَلَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ بِرَدٍّ شَافٍ.
وَلَوْلَا أَنَّا فِي
شَأْنٍ وَرَاءَ هَذَا لَأَشْبَعْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ،
وَذَكَرْنَا مَذَاهِبَ النُّحَاةِ فِيهَا، وَنَصَرْنَا الرَّاجِحَ، وَلَعَلَّنَا
أَنْ نَعْطِفَ عَلَى ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ.
وَفِي إِعَادَةِ (إِيَّاكَ)
مَرَّةً أُخْرَى؛ دَلَالَةٌ عَلَى تَعَلُّقِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنَ الْفِعْلَيْنِ!
فَفِي إِعَادَةِ
الضَّمِيرِ مِنْ قُوَّةِ الِاقْتِضَاءِ لِذَلِكَ مَا لَيْسَ فِي حَذْفِهِ:
فَإِذَا قُلْتَ لِمَلِكٍ -مَثَلًا-:
إِيَّاكَ أُحِبُّ، وَإِيَّاكَ أَخَافُ، كَانَ فِيهِ مِنَ اخْتِصَاصِ الْحُبِّ
وَالْخَوْفِ بِذَاتِهِ وَالِاهْتِمَامِ بِذِكْرِهِ، مَا لَيْسَ فِي قَوْلِكِ:
إِيَّاكَ أُحِبُّ وَأَخَافُ!" اهـ
والله تعالى أعلم.
من "مدارج السّالكينَ
بين منازلِ: إيّاكَ نعبدُ وإيّاكَ نستعينُ"، (1/99-99)، ط3 (1416هـ)، ت: محمد
المعتصم بالله البغدادي ، دار الكتاب العربي، بيروت.
- - -
الخميس 25 شوّال 1435هـ